شكلت حرب غزة الأخيرة وما رافقها من عمليات عسكرية إسرائيلية واسعة النطاق وتداعيات إنسانية مروعة، نقطة تحول فارقة في العلاقات بين إسبانيا وإسرائيل، حيث دفعت مدريد إلى تبني موقف أكثر حزماً وانحيازاً بشكل واضح إلى جانب الحقوق الفلسطينية، مما أدى إلى توتر غير مسبوق في العلاقات الثنائية.
من التحالف الاستراتيجي إلى التصادم الدبلوماسي
قبل الحرب، كانت العلاقات بين البلدين، وإن شابتها بعض الخلافات التقليدية حول قضية فلسطين، تسير في إطار الدبلوماسية الطبيعية والتعاون في مجالات الاقتصاد والأمن. إلا أن المواقف الإسبانية، وخاصة تحت قيادة الحكومة الاشتراكية بزعامة بيدرو سانشيز، شهدت تصعيداً ملحوظاً مع استمرار العمليات العسكرية في غزة وارتفاع عدد الضحايا المدنيين.
أبرز مظاهر هذا التصعيد:
1. الخطاب السياسي الحاد: خرج رئيس الوزراء سانشيز وعدد من وزرائه بإدانات واضحة للعمليات العسكرية الإسرائيلية، واصفين إياها في مراحل متقدمة بأنها "غير مبررة" ومشيرين إلى "الدمار الهائل" الذي تسببت به. كما شددوا مراراً على ضرورة الاعتراف بدولة فلسطين كحل وحيد للصراع.
2. الدعوة إلى وقف فوري لإطلاق النار: كانت إسبانيا من أكثر الدول الأوروبية دعماً ومطالبة بوقف فوري ودائم لإطلاق النار في غزة، مناشدة شركائها في الاتحاد الأوروبي تبني هذا الموقف لحماية المدنيين وسمحت بدخول المساعدات الإنسانية.
3. الخطوات الرمزية والدبلوماسية: في خطوة ذات دلالة قوية، أعلنت إسبانيا، بالتعاون مع أيرلندا والنرويج، الاعتراف بدولة فلسطين بشكل رسمي. هذه الخطوة، التي وصفتها إسرائيل بـ "المنحازة"، كانت رسالة واضحة على أن الصبر الأوروبي على السياسات الإسرائيلية بدأ ينفد.
الرد الإسرائيلي: غضب واستدعاء السفراء
لم تتردد إسرائيل في الرد على هذه المواقف بشكل قوي، معتبرة أن تصريحات المسؤولين الإسبان "تشجع الإرهاب" وتنحاز لحركة حماس. الرد الأبرز كان استدعاء سفير إسرائيل في مدريد للتشاور، وهي خطوة دبلوماسية تعكس مستوى عالياً من الغضب والاستياء. كما هاجمت الدبلوماسية الإسرائيلية شخصياً رئيس الوزراء سانشيز، متهمة إياه بـ "التواطؤ" في "التحريض على قتل اليهود".
تداعيات العلاقة على المدى المتوسط
1. توتر دبلوماسي مستمر: من الواضح أن العلاقة دخلت في مرحلة من الجفاء الدبلوماسي، ولن يكون من السهل إعادتها إلى سابق عهدها في المدى المنظور، خاصة مع استمرار الأزمة في غزة وتباين الرؤى حول الحل.
2. الانقسام داخل الاتحاد الأوروبي: ساهمت المواقف الإسبانية في تعميق الانقسام داخل الاتحاد الأوروبي بين دول تأخذ موقفاً أكثر تقارباً مع إسرائيل (مثل ألمانيا والنمسا) وأخرى تدفع نحو موقف أكثر انتقاداً ودفاعاً عن القانون الدولي (مثل إسبانيا وبلجيكا وأيرلندا).
3. الضغط الشعبي: لا يمكن إغفال دور الرأي العام الإسباني، الذي يتسم بتعاطف تاريخي كبير مع القضية الفلسطينية. الضغط الشعبي والمظاهرات الحاشدة في المدن الإسبانية كانت عاملاً محفزاً للحكومة لتبني مواقف أكثر صرامة.
4. التعاون الأمني والاقتصادي تحت المجهر: بينما قد تتأثر العلاقات السياسية بشكل كبير، فإن روابط التعاون الاقتصادي والتجاري والأمني (خاصة في مجال مكافحة الإرهاب) قد تشهد بعض التباطؤ، لكن من غير المتوقع أن تنقطع تماماً، نظراً للمصالح المشتركة لكلا الطرفين.
خاتمة
العلاقة الإسبانية-الإسرائيلية تمر في أحد أكثر فتراتها توتراً منذ إقامة العلاقات الدبلوماسية. حرب غزة لم تكن مجرد أزمة إنسانية بعيدة، بل كانت محكاً كشفت عن تحول جوهري في الموقف الإسباني، الذي بات يضع القيم الإنسانية والقانون الدولي في صلب سياسته الخارجية، حتى لو كان الثمن مواجهة دبلوماسية مع حليف استراتيجي. مستقبل هذه العلاقة مرهون بشكل كبير بمسار الحرب في غزة وبتوجهات أي حكومة إسرائيلية قادمة، وكذلك بمدى قدرة الدبلوماسية الإسبانية على المواءمة بين مبادئها والواقع السياسي المعقد في الشرق الأوسط.
أفادت مصادر أمنية وإعلامية مصرية، فجر اليوم الأحد، بوفاة 3 دبلوماسيين قطريين، وإصابة اثنين آخرين، إثر حادث سير وقع قرب مدينة "شرم الشيخ". وذكرت المصادر أن الوفد تعرض للحادث في الساعات الأولى من صباح اليوم على بعد 50 كيلومتراً من مدينة "شرم الشيخ" خلال توجهه لحضور إعلان وقف الحرب في غزة. وأفادت مصادر بأن الوفد كان يستقل سيارة دبلوماسية واحدة ضمن الموكب المرافق لرئيس الوزراء القطري، وأن اثنين المصابين يتلقون العلاج في العناية المركزة. ونقلت وكالة "رويترز" عن مصدرين أمنيين قولهما إن 3 دبلوماسيين قطريين
تعليقات
إرسال تعليق