ماريا كورينا ماتشادو جائزة نوبل للسلام
في قاعات السلطة المغلقة في كاراكاس، وعلى منصات التضامن الدولي في أوروبا وأمريكا، يتردد اسم واحد بإصرار: ماريا كورينا ماتشادو. المهندسة والمرشحة الرئاسية السابقة التي تحولت إلى أبرز رمز للمعارضة الفنزويلية، لم تعد مجرد سياسية، بل أصبحت قضية. قضية يربطها أنصارها وبعض المراقبين الدوليين بأسمى الجوائز: جائزة نوبل للسلام.
من الهندسة إلى ساحة المعارضة: مسيرة غير مألوفة
لم تكن ماتشادو (56 عاماً) سياسية بالمسار التقليدي. تخرجت مهندسةً من جامعة أندريس بلو الكاثوليكية المرموقة، وأسست شركة ناجحة في القطاع الصناعي. دخلت المعترك السياسي مدفوعةً بقلقها على الديمقراطية في بلدها تحت حكم الراحل هوغو شافيز. أسست مع آخرين الحزب السياسي "سوماموس" (نحن موجودون)، وسرعان ما برزت بفضل خطابها الحاد، وبلاغتها اللاذعة، وشجاعتها في مواجهة النظام.
في عام 2012، تم انتخابها نائبة في الجمعية الوطنية، حيث أصبحت صوتاً صارخاً يكشف الفساد ويدين التعديات على الحريات. لكن مسيرتها البرلمانية انتهت فجأة في عام 2014 عندما سحبت منها السلطات مقعدها النيابي، وهي خطوة وصفها المجتمع الدولي بأنها غير قانونية وسياسية.
الحرمان والمنع: ثمن المقاومة
لم تكن إزالة ماتشادو من البرلمان سوى البداية. فرضت عليها الحكومة سلسلة من العقوبات تهدف إلى إسكاتها وإبعادها عن الحياة العامة. الأكثر قسوة كان "الحظر السياسي" الذي فرضته "المفوضية العامة للجمهورية" التابعة للنظام. هذا الحظر، الذي تم تمديده حتى عام 2036، يمنعها قانوناً من الترشح لأي منصب منتخب.
وراء هذا القرار الرسمي، وفقاً للمعارضة والمراقبين، تكمن إستراتيجية واضحة: خنق الأمل. فبعد أن قادت ماتشادو تحالفاً معارضاً واسعاً وفازت بجولة الانتخابات التمهيدية الرئاسية للمعارضة في أكتوبر 2023 بأغلبية ساحقة تجاوزت 90%، أصبحت التهديد الأكثر مصداقية للنظام. كان المنع هو الرد المتوقع: إقصاء الخصم الأكثر شعبية قبل أن يتمكن من مواجهة الرئيس نيكولاس مادورو في صناديق الاقتراع.
لماذا تُذكر اسمها لجائزة نوبل للسلام؟
في خضم هذا الصراع، برزت حملات في وسائل الإعلام ووسط الناشطين تطالب بترشيح ماريا كورينا ماتشادو لنيل جائزة نوبل للسلام. الحجج التي يسوقها المؤيدون لهذا الترشيح تعتمد على عدة ركائز:
1. المقاومة السلمية: تؤكد ماتشادو ومؤيديها على التزامهم بالنضال السلمي والدستوري في مواجهة نظام يتهمونه بالقمع والعنف. في سياق شهد احتجاجات دامية وآلاف المعتقلين السياسيين، يرى أنصارها أنها تجسد قيادة المقاومة اللاعنفية.
2. الدفاع عن الديمقراطية تحت القمع: يمثل مسارها الشخصي – من النيابة إلى السلب إلى المنع – قصة كفاح من أجل الحقوق السياسية الأساسية: الحق في الترشح والانتخاب والتعبير. وهي القيم الأساسية التي كرستها جائزة نوبل للسلام في الماضي.
3. رمزية عالمية: في عين أنصارها، لم تعد ماتشادو تمثل فقط معاناة الشعب الفنزويلي، بل أصبحت رمزاً لكل من يواجه الاستبداد والحرمان من الحقوق حول العالم. صمودها في وجه ما تصفه "بآلة قمع" يحمل رسالة أوسع.
4. تضامن دولي: حظيت ماتشادو بدعم علني من شخصيات عالمية بارزة ورؤساء حكومات سابقين، الذين يرون فيها الأمل الأخير للانتقال الديمقراطي في فنزويلا. هذا التضامن يضغط على الرأي العام الدولي لتبني قضيتها.
وجهة النظر الأخرى والتعقيدات
بالطبع، تبقى الجائزة محل جدل. يرى النقاد أن منح الجائزة لشخصية سياسية في خضم صراعها قد يُعتبر تدخلاً في الشؤون الداخلية لدولة ذات سيادة. كما أن اللجنة النرويجية للجائزة تتحلى عادة بالحذر الشديد، وقد تفضل تجنب "تسييس" الجائزة بشكل مباشر جداً.
الأهم من ذلك، أن الجائزة هي تقديم للجهود الملموسة لتحقيق السلام، وفي حين أن نضال ماتشادو يهدف إلى إقامة الديمقراطية – وهي شرط أساسي للسلام الدائم – فإن النتيجة النهائية في فنزويلا لا تزال غير محسومة.
خاتمة: أكثر من مجرد جائزة
سواء حصلت ماريا كورينا ماتشادو على جائزة نوبل للسلام هذا العام أو في المستقبل، فإن مجرد طرح اسمها للجائزة هو اعتراف بقوة رمزيتها. هي، في نظر ملايين الفنزويليين وأنصار الديمقراطية حول العالم، تجسد الإرادة التي لا تنكسر. جائزة نوبل، بالنسبة لهم، لن تكون مجرد وسام على صدرها، بل ستكون منبراً عالمياً لقضية شعب، وتذكيراً قوياً بأن السلمية والصمود هما السلاح الأقوى في وجه القمع. المعركة الحقيقية، مع ذلك، ستُخاض ليس في أوسلو، بل في شوارع فنزويلا ووعي شعبها.
---
تعليقات
إرسال تعليق