مقدمة: نهاية حقبة
لم تعد الأزمة الأوكرانية مجرد صراع حدودي إقليمي، بل تحولت إلى زلزال جيوسياسي هز أركان النظام الدولي الذي تشكل بعد الحرب الباردة. إنها الحادثة التي قطعت آخر خيوط الثقة بين موسكو والغرب، ودفعت بالعلاقات الروسية الأوروبية إلى حافة الهاوية، معلنةً نهاية حقبة من الاعتماد المتبادل الاقتصادي وبداية حقبة جديدة من المواجهة الاستراتيجية المفتوحة.
الواقع الراهن: مشهد من الجليد والحديد
في ظل الأزمة الأوكرانية، دخلت العلاقات في أقسى مراحل توترها منذ عقود:
1. الحرب الاقتصادية الشاملة: تحولت العقوبات الغربية من أداة ضغط دبلوماسية إلى حرب اقتصادية شاملة تهدف إلى عزل الاقتصاد الروسي وتجفيف مصادر تمويل جهوده الحربية. من جهتها، ردت موسكو باستخدام سلاح الطاقة والغذاء كأدوات للضغط الجيوسياسي.
2. القطيعة الأمنية والعسكرية: حلت المواجهة العسكرية المباشرة (عبر الوكالة) مكان مفهوم "الشراكة من أجل الحدود الآمنة". توسع حلف الناتو، الذي كانت روسيا تعتبره التهديد الأساسي، بشكل غير مسبوق، بينما عززت روسيا وجودها العسكري في مناطق نفوذها.
3. انهيار الجسور الدبلوماسية والثقافية: تقلصت القنوات الدبلوماسية إلى أدنى مستوياتها، وانهارت مشاريع التعاون العلمي والثقافي والبحثي، مما وسع هوة سوء الفهم وزاد من خطاب الكراهية والعداء.
سيناريوهات المستقبل: بين الاستمرار والتحول
يبدو مستقبل هذه العلاقة معقداً، ويمكن رصد عدة سيناريوهات محتملة:
السيناريو الأول: الاستمرار في "التجمد الاستراتيجي" (الأكثر ترجيحاً على المدى المتوسط)
سيستمر الوضع على ما هو عليه:حالة من العداء المستقر، مع استمرار العقوبات، والمواجهة بالوكالة، والحد الأدنى من التواصل حول القضايا التي لا مفر منها (مثل عدم انتشار الأسلحة النووية). في هذا السيناريو، تنقسم أوروبا إلى معسكرين متصلبين، وتتحول العلاقة إلى منافسة إستراتيجية طويلة الأمد، شبيهة بالحرب الباردة ولكن بأدوات مختلفة، حيث الاقتصاد والتكنولوجيا和信息战 (حرب المعلومات) هما ساحة المعركة الرئيسية.
السناريو الثاني: التصعيد والمواجهة المباشرة (أسوأ السيناريوهات)
أي خطأ في التقدير،أو حادث عسكري، أو قرار متسرع يمكن أن يدفع بالطرفين إلى دوامة تصعيد يصعب الخروج منها، قد تصل إلى مواجهة عسكرية مباشرة بين روسيا وحلف الناتو. عواقب هذا السيناريو ستكون كارثية على أوروبا والعالم بأسره، وهو ما يجعل جميع الأطراف تحاول تجنبه، رغم أن خطر الانزلاق إليه قائم.
السناريو الثالث: البحث عن "تسوية باردة جديدة" (على المدى البعيد)
بعد استنفاد جميع الأطراف،وعند وصول الصراع إلى طريق مسدود، قد تبدأ مفاوضات شاقة وطويلة الأمد لإقامة "هندسة أمنية أوروبية جديدة". ستكون هذه التسوية مختلفة عن تلك التي كانت قائمة قبل 2022، وستعترف بشكل واقعي بمجال النفوذ الروسي وتحدد خطوطاً حمراء واضحة للجميع. هذا السيناريو يتطلب تغييراً في القيادات أو السياسات في موسكو أو العواصم الأوروبية أو كليهما.
التحديات والعقبات الرئيسية:
· مسألة الأمن: يبقى الخلاف الجوهري حول مستقبل الأمن في أوروبا، ومدى توسع الناتو شرقاً، ومكانة روسيا في هذا النظام، هو العقبة الكأداء أمام أي مصالحة.
· المعضلة الأوكرانية: مستقبل أوكرانيا (حدودها، انضمامها المحتمل إلى الناتو والاتحاد الأوروبي) سيبقى العقدة المركزية التي يتعذر حلها بسهولة.
· التحولات الداخلية: التطورات السياسية داخل روسيا (ما بعد بوتن) وداخل دول الاتحاد الأوروبي (صعود اليمين والشعبوية) ستلعب دوراً حاسماً في تشكيل مستقبل العلاقة.
· الدور الأمريكي: تبقى العلاقة транatlanticية (أي بين أوروبا وأمريكا) عاملاً محورياً. أي تغيير في السياسة الخارجية الأمريكية يمكن أن يعيد رسم تحالفات ومواقف أوروبا من روسيا.
الخلاصة: علاقة تحددها الجغرافيا أكثر من الإرادة
رغم كل أشكال القطيعة، تبقى روسيا جارة جغرافية لأوروبا لا يمكن تغيير موقعها. هذه الحقيقة تفرض في النهاية، ولو بعد سنوات، ضرورة إيجاد طريقة للتعايش. مستقبل العلاقات لن يعود إلى سابق عهده من التعاون والاعتماد المتبادل. إنه مستقبل تحكمه المنافسة الاستراتيجية، وإدارة الأزمات، والبحث عن قواعد جديدة للتعايش في عالم متعدد الأقطاب، حيث لم تعد أوروبا هي المركز الوحيد للقوة، ولم تعد روسيا قوة عظمى منهارة، بل لاعباً رئيسياً يصر على أن تكون له كلمته في ت shaping مصير القارة.
---
أفادت مصادر أمنية وإعلامية مصرية، فجر اليوم الأحد، بوفاة 3 دبلوماسيين قطريين، وإصابة اثنين آخرين، إثر حادث سير وقع قرب مدينة "شرم الشيخ". وذكرت المصادر أن الوفد تعرض للحادث في الساعات الأولى من صباح اليوم على بعد 50 كيلومتراً من مدينة "شرم الشيخ" خلال توجهه لحضور إعلان وقف الحرب في غزة. وأفادت مصادر بأن الوفد كان يستقل سيارة دبلوماسية واحدة ضمن الموكب المرافق لرئيس الوزراء القطري، وأن اثنين المصابين يتلقون العلاج في العناية المركزة. ونقلت وكالة "رويترز" عن مصدرين أمنيين قولهما إن 3 دبلوماسيين قطريين
تعليقات
إرسال تعليق