التعايش المستحيل ؟ .. هل يمكن أن تنتصر المصالح على التاريخ في صفقة سلام بين إسرائيل والفلسطينيين
في أروقة الدبلوماسية الدولية،وعلى وقع الدمار في غزة، تعود واحدة من أعقد المعادلات في الشرق الأوسط إلى الواجهة: إمكانية تحقيق سلام بين إسرائيل وحركة حماس. ليست هذه مجرد جولة تفاوضية عابرة، بل هي اختبار لإرادة الأطراف جميعاً، وإعادة تعريف لمفاهيم "النصر" و"الهزيمة" في صراع دامٍ طويلاً. السؤال الذي يطرح نفسه بإلحاح: هل يمكن لاتفاق أن ينهي عقوداً من العداء، أم أنه سيكون مجرد هدنة مؤقتة لإعادة ترتيب الصفوف؟
الجذور: صراع الوجود وليس الحدود
لفهم مستقبل أي اتفاق،يجب الاعتراف بأن جوهر الصراع مع حماس يتعدى مسألة الحدود أو المستوطنات. إنه صراع على الشرعية والوجود. فمن وجهة نظر إسرائيل، حماس هي منظمة إرهابية تهدف إلى تدميرها، ولا يمكن التفاوض على الوجود. ومن وجهة نظر حماس، فإنها ترى نفسها حركة مقاومة شرعية ضد احتلال، وأن أي اعتراف بإسرائيل هو تنازل عن الحق التاريخي لكامل فلسطين. هذا الإطار الأيديولوجي يجعل أي اتفاق سلام "تقليدي" مهمة شبه مستحيلة، ويحوله إلى تبادل مصلحي بحت.
مستقبل محتمل: هدنة طويلة.. وليس سلاماً
يشير معظم المحللين إلى أن السيناريو الأكثر واقعية في المدى المنظور ليس"سلاماً" بالمعنى الكلاسيكي، بل "تهدئة طويلة الأمد" أو "اتفاق تبادل". قد يتخذ هذا الاتفاق أشكالاً عدة:
1. صفقة "الكبار مقابل الصمت": وهي الصيغة الأكثر تداولاً، حيث تطلق إسرائيل صفقة تبادل أسرى كبيرة (مقابل جثث أو محتجزين) مقابل التزام حماس بهدنة طويلة (5-10 سنوات)، ووقف تطوير القدرات العسكرية، وربما تسليم السيطرة على غزة إلى سلطة فلسطينية مُعاد تشكيلها.
2. اتفاق تدريجي بإشراف دولي: قد يشمل إعادة إعمار غزة بآلية دولية تمنع حماس من الاستفادة العسكرية، مع إعادة انتشار للقوات الإسرائيلية على محيط القطاع، وفتح المعابر بشكل مشروط. هذا النموذج يحاول "شراء الوقت" وخلق واقع جديد قد يغير المعادلات لاحقاً.
3. سيناريو الانهيار: وهو احتمال لا يمكن استبعاده، حيث يفشل التفاوض، أو تنتكس أي هدنة متوقعة سريعاً بسبب عمل عسكري من جانب أو حادثة مفجعة، ليعود الطرفان إلى دوامة العنف المألوفة.
التحديات والعقبات الكبرى:
لا يخلو الطريق إلى أي اتفاق من حقول ألغام:
· مستقبل ما بعد الحرب: من سيدير غزة؟ رفض إسرائيل لحماس، ورفض حماس للسلطة الفلسطينية، وعدم رغبة إسرائيل في إدارة مدنية للقطاع، يشكل معضلة أساسية.
· المعضلة الأمنية لإسرائيل: كيف تضمن إسرائيل أن أي تمويل لإعادة الإعمار أو فتح المعابر لن يُستخدم لتعزيز البنية التحتية العسكرية لحماس أو الجهاد الإسلامي؟
· التماسك الداخلي: الحكومة الإسرائيلية الائتلافية الهشة، والتي تعتمد على أحزاب يمينية متطرفة، قد تجد أي خطوة نحو اتفاق سياسي مع حماس سبباً لانهيارها. وبالمقابل، فإن أي تنازل من حماس قد يُعتبر خيانة من قبل فصائل أكثر تشدداً.
· الدور الإقليمي والدولي: تتنافس دول مثل مصر وقطر على لعب دور الوسيط، بينما تسعى الولايات المتحدة والدول الأوروبية لإيجاد صيغة تحقق الاستقرار. هذا التداخل في المصالح قد يعقد أو يسهل العملية.
الخلاصة: سلام المصالح لا سلام القلوب
مستقبل أي اتفاق بين إسرائيل وحماس لا يشبه مسيرة السلام مع مصر أو الأردن.إنه على الأرجح سيكون "صفقة وجود" وليس "معاهدة سلام". نجاحه لن يُقاس بمدى التحول في العلاقات، بل بقدرته على منع الحرب التالية. إنه سلام تفرضه الحسابات الباردة للتكلفة البشرية والاقتصادية، وتدفع إليه صرخات المدنيين في غزة والكيبوتسات على الحدود.
في النهاية، قد تكون المعادلة الأكثر واقعية هي: هل يمكن للطرفين، في لحظة تاريخية معينة، أن يقررا أن ثمن الحرب أصبح أعلى من ثمن الهدنة، حتى لو كانت هدنة هشة ومؤقتة؟ الإجابة على هذا السؤال هي التي ستحدد ملامح المستقبل في واحدة من أكثر بقاع العالم اضطراب




تعليقات
إرسال تعليق